كتبة الأسفار المقدسة, بين التاريخ و الإيمان
الاثنين، 31 يوليو 2017 يوليو 31, 2017
بسم الله
الرحمن الرحيم
لطالما كانت معرفة
أسماء كتبة الأسفار المقدسة اليهودية و المسيحية, معضلة تؤرّق منام المؤرخين
المختصين في تاريخ الأسفار المقدسة. لقد وصل العلماء إلى قناعة لم تكن بذات أهمية
في السابق, ألا هي
"صحة نسبة الأسفار المقدسة" إلى كاتبيها المزعومين. كان اليهود و
النصارى في السابق, يضعون الثقة العمياء في أحبارهم و رهبانهم, و كانوا يصدقونهم
إلى أبعد مدى, و لم يكن يشعر هؤلاء بخطورة هذه النقطة. كان الاعتقاد السائد أن
رجال الدين من يهود و نصارى, قد بذلوا الجهد الكثير و الوقت الوفير في البحث و
التدقيق في صحة نسبة الكتب المقدسة لكاتبيها, فكان العوام لا يجادلون, في أغلب
الأحيان, و يأخذون الإجابة كما هي. و لعل هذه الثقة "الهشة" الموضوعة في
الأحبار و الرهبان, كان لها أسباب عديدة, التي من أهمها:
1- عدم وجود قواعد بحثية ثابتة نستطيع القياس عليها للوصول إلى نتائج علمية دقيقة, مع هامش خطأ ضئيل, كما هي الحال في معظم البحوث العلمية.
2- الخشية من الشك. فإن أي بحث علمي في المصداقية التاريخية للكتاب المقدس قد ينتج عنه, في كثير من الأوقات, عدم صحة نسبة أي كتاب من الكتب المقدسة إلى من كان يُظن أنه كاتبه. و على سبيل المثال لا الحصر, فبولس الرسول الذي نُسبت إليه 14 رسالة من رسائل العهد الجديد, لم يستطع العلماء أن يثبتوا لبولس إلا 7 رسائل فقط, و شكوا في الرسائل الأخرى بنسب مئوية متفاوتة, و قطعوا بعدم صحة نسبة بعضها إلى بولس كما هي الحال في رسالته إلى "العبرانيين".
3- عدم وجود البديل التاريخي للكاتب. و هذه مشكلة أخرى, فلو قلنا أنه قد أصبح من المسلّمات العلمية و الثوابت التاريخية أن بعض الكتب لم يكتبها كاتبها المزعوم في التراث المسيحي, فيكون المؤمنون بهذه الأسفار بين نارين. أولها: وجوب البحث عن الكاتب الحقيقي لهذه الأسفار, حتى لو كان من قبيل الظن, و هذا شيء قد فات وقته و لم يعد ممكناً الآن. و سبب ذلك أن الغرف المغلقة و الزوايا المظلمة التي أنتجت معظم التراث التاريخي للمسيحية و اليهودية, لم تعد آمنة للاختباء كما كان الحال في القرون السابقة, فكل شيء أصبح تحت ضوء المعرفة و الفضول البحثي مكشوفاً. الخيار الثاني, هو أن يُترك السفر أو الكتاب الذي هو موضوع البحث و الشك, بلا كاتب. بمعنى, أن تكون نتيجة البحث و التدقيق, أن السفر أو الكتاب المشكوك فيه, هو كتاب لقيط غير معروف الأصل. و هذه المعضلة لم تعد هينة و سهلة كما كان أسلافهم يستسهلون البحث و لا يلتفتون إلى دقة البحوث. فبعد ثورة المعلوماتية, ارتقى وعي الناس إلى مستوى يصعب معه تضليلهم, و أصبح مصدر أي خبر أو كتاب , أكثر أهمية من الخبر نفسه. فكان الخيار الأفضل في هذه الحالة, ألأن يبقى الحال على ما هو عليه.
1- عدم وجود قواعد بحثية ثابتة نستطيع القياس عليها للوصول إلى نتائج علمية دقيقة, مع هامش خطأ ضئيل, كما هي الحال في معظم البحوث العلمية.
2- الخشية من الشك. فإن أي بحث علمي في المصداقية التاريخية للكتاب المقدس قد ينتج عنه, في كثير من الأوقات, عدم صحة نسبة أي كتاب من الكتب المقدسة إلى من كان يُظن أنه كاتبه. و على سبيل المثال لا الحصر, فبولس الرسول الذي نُسبت إليه 14 رسالة من رسائل العهد الجديد, لم يستطع العلماء أن يثبتوا لبولس إلا 7 رسائل فقط, و شكوا في الرسائل الأخرى بنسب مئوية متفاوتة, و قطعوا بعدم صحة نسبة بعضها إلى بولس كما هي الحال في رسالته إلى "العبرانيين".
3- عدم وجود البديل التاريخي للكاتب. و هذه مشكلة أخرى, فلو قلنا أنه قد أصبح من المسلّمات العلمية و الثوابت التاريخية أن بعض الكتب لم يكتبها كاتبها المزعوم في التراث المسيحي, فيكون المؤمنون بهذه الأسفار بين نارين. أولها: وجوب البحث عن الكاتب الحقيقي لهذه الأسفار, حتى لو كان من قبيل الظن, و هذا شيء قد فات وقته و لم يعد ممكناً الآن. و سبب ذلك أن الغرف المغلقة و الزوايا المظلمة التي أنتجت معظم التراث التاريخي للمسيحية و اليهودية, لم تعد آمنة للاختباء كما كان الحال في القرون السابقة, فكل شيء أصبح تحت ضوء المعرفة و الفضول البحثي مكشوفاً. الخيار الثاني, هو أن يُترك السفر أو الكتاب الذي هو موضوع البحث و الشك, بلا كاتب. بمعنى, أن تكون نتيجة البحث و التدقيق, أن السفر أو الكتاب المشكوك فيه, هو كتاب لقيط غير معروف الأصل. و هذه المعضلة لم تعد هينة و سهلة كما كان أسلافهم يستسهلون البحث و لا يلتفتون إلى دقة البحوث. فبعد ثورة المعلوماتية, ارتقى وعي الناس إلى مستوى يصعب معه تضليلهم, و أصبح مصدر أي خبر أو كتاب , أكثر أهمية من الخبر نفسه. فكان الخيار الأفضل في هذه الحالة, ألأن يبقى الحال على ما هو عليه.
و من الأمثلة الشهيرة على جهالة الكتبة, ما أورده كثير من المصادر العلمية
حول اسم الكاتب الحقيقي لسفر التكوين, و هو أول أسفار التوراة, و الذي كان يّظن أن
كاتبه هو موسى عليه السلام بلا أدنى شك. و لكن, أدرك هؤلاء البحثون أن شمس المعرفة
العلمية و الحقيقة التاريخية, لم يعد ممكناً تغطيتها بـ"غربال" الإيمان.
فاضطر المؤرخون إلى الاعتراف بما لا مفر منه, أن كاتب هذا السفر, مجهول!!!
و هذا وارد صراحة لا يحتاج إلى شرح أو تأويل. فهذا الكتاب, THE ULTIMATE
BIBLE GUIDE, يشير في أولى صفحاته إلى هذه الحقيقة.
ففي كلامه عن سفر التكوين, GENESIS, قال مؤلف الكتاب أن كاتب هذا السفر هو موسى
عليه السلام, حوالي سنة 1445 ق.م.
و تابع المؤلف بقوله:"بالرغم أن سفر التكوين قد كتبه كاتب مجهول, فإن سياق الكتاب و نصوصه, توحي أو (تفترض) أن كاتب سفر التكوين هو نفسه كاتب أسفار التوارة الأربعة الأخرى, (لاويين,عدد, خروج, تثنية)".
و أضاف المؤلف
قائلاً: " إن الأدلة النصية داخل هذه الكتب الخمسة,
تشير إلى تشابه المضمون و الهدف, بالإضافة إلى اشتراكهم في الشخصية الكلام عن
الشخصية الرئيسية في الكتب الخمسة, ألا و هي شخصية موسى عليه السلام" .و ختم صاحب الكتاب
بقوله:" إن التراثين, اليهودي و المسيحي, ينسبان
أسفار التوارة الخمسة, PENTATEUCH, إلى موسى عليه السلام, الذي عاصر أحداثاً تاريخية ذُكرت في الأسفار,
من الخروج إلى التثنية".
فمن المُلاحَظ, أن
هذا الدليل المذكور في الكتاب, الذي أورده المؤلف ليس إلا محاولة يائسة لنسبة
أسفار التوراة إلى موسى, أو حتى التقليل من أهمية إسم الكاتب الحقيقي للأسفار
مقارنة بأهمية مضمون الكتب نفسها. فهناك كثير من الأدلة النصية في التوراة نفسها,
تعارض هذا الاحتمال و تؤيد ما قاله المؤلف في بداية حديثه عن سفر التكوين أن كاتب
السفر هو في الحقيقة مجهول. و منها, أن أسلوب الحوار في التوراة, جاء معظمه على
هيئة الحكاية أو الرواية من طرف ثالث هو من يروي النصوص, كما هو ملموس في النصوص
التوراتية للحوارات التي يبدأ معظمها بقول:" و قال الرب لموسى" و
"قال موسى للرب", مما يشير أن موسى عليه السلام ليس هو كاتب النصوص. و
هذه الجدلية النقدية التاريخية لأسفار التوراة, عُرفت بين علماء النقد النصي
بجدلية الفيلسوف الهولندي التنويري من القرن التاسع عشر,"باروخ اسبينوزا", الذي شكك بنسبة كتب التوارة لموسى عليه السلام لعدة
أسباب مهمة, أولها ما ذكرناه أعلاه, و ثانيها, ما ورد في الاصحاح 34 من سفر
التثنية , الذي ذكر فيه كاتب السفر قصة موت موسى عليه السلام:
"5 فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ
حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ.6 وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ
مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا
الْيَوْمِ.7 وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ
سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ.8 فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فِي
عَرَبَاتِ مُوآبَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا. فَكَمُلَتْ أَيَّامُ بُكَاءِ مَنَاحَةِ
مُوسَى."
فكيف يكتب موسى
عليه السلام عن موته؟و مكان دفنه؟ و عدد أيام البكاء عليه؟ بالاضافة أن السفر يقول
أن "مكان قبره ظل مجهولاً حتى اليوم", مما يوحي بقوة أن السفر كُتب بعد
زمن موسى عليه السلام بزمان طويل, و ينسف فكرة نسبة أسفار التوراة لموسى ﷺ .و كل ما ذُكر
أعلاه, ليس إلا أول الغيث, بل أول العاصفة التي هبت ريحها على كتاب ظل لقرون
مقدساً لظنهم المبني على افتراضات مضللة, و ثقة بأحبارهم و رهبانهم عمياء, أنه وحي
من عند الله.
:كتبه
نبيه الصبّاغ
الباحث في تاريخ الأديان و
This entry was posted on يوليو 31, 2017, and is تسميات
الرئيسية,
نبيه الصباغ,
نقد نصى
. Follow any responses to this post through RSS. You can leave a response, or trackback from your own site.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)



إرسال تعليق