الإيمان بالملائكة
الأحد، 29 أبريل 2018 أبريل 29, 2018
-من
هم الملائكة؟
الملائكة
هم عالم غيبي غير محسوس ولا ملموس؛ إلا من بعض الأنبياء، وحينما يعاين الإنسان الموت...
والملائكة
لا يعلم حقيقتها كاملة إلا الله وحده، وقد أوجب اللهُ ورسوله على المسلم الإيمان
بهم، ومنْ كذّب بوجودهم فقد كفر....لكونه هدم ركنًا من أركان الإيمان... قال
تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ
مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)"(النساء).
وأسماء
وصفات الملائكة بعمومها يطلق عليها :" الملأ الأعلى" و" الكرام البررة"؛ وهذا من قوله I :
" لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ
مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) " ( الصافات).
قاله I :
" كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
" (عبس).
-ما
هي صفات الملائكة ؟
للملائكة
صفات خِلقية، وخُلقية ...
الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتزوجون –ليس لهم
شهوة- ولا يتصفون بالأنوثة أو الذكورة... فهم عالم غيبي خفي عنا ليس من عالم الشهادة،
وليس له علاقة بحياتنا المادية الملموسة....
قال
تعالى : "وَجَعَلُوا
الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ
سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)"(الزخرف).
والملائكة لهم القدرة على التشكل من صورتها إلى صورة بشر؛ وهذا ما كان من جبريل مع
النبي محمد في صورة الصحابي الجليل "دحية بن خليفة " والرجل الأعرابي
الذي سأل النبيَّ محمدًا عن الإيمان والإحسان..
أيضًا ملائكة ضيف إبراهيمu
، وملائكة ضيف لوطu
؛ والملاك جبريل حينما بشر مريم....وهذا ما ذُكر في القرآن الكريم،
والأحاديث الصحيحة، والكتاب المقدس (سفر التكوين وإنجيل متى) ظهورهم في صورة
إنسانية تامة...
الملائكة
خُلقت من نور، ولكن نجهل معرفته
وكنهه، كما نجهل مدة زمن خلقها...
وبالتالي:
تختلف طبيعتها تمامًا عن طبيعة خلق الإنسان الذي خُلق من طين، وعن الجان الذي خُلق
من مَارِجٍ مِنْ نَارٍ... ففي صحيح مسلم برقم 5314 عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ
مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ".
-أين
تسكن الملائكة، ومتى خُلقت ، وهل خِلقَتهم واحدةً مثل الإنسان؟!
فكما
أنّ الإنس والجان يسكنون في الأرض؛ فالملائكة يسكنون في السماء؛ فهم يسمون "بالملأ
الأعلى" ، إي: في السموات العُلى؛ وينزل بعضهم الأرض لوظائف إلهية... وذلك
من صحيح البخاري برقم 2979 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِجِبْرِيلَ: "أَلَا تَزُورُنَا
أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟"
قَالَ فَنَزَلَتْ:
{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا
} الْآيَةَ.
والملائكة
خُلقت قبل خلق الإنسان ، وعلى
الأرجح أنهم خلقوا قبل الجان... لقول النبي محمد r:" خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ
مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ
لَكُمْ".
فيبدو
من الترتيب أن الملائكة قبل الجان والإنسان....
ويُستأنس
بروايات إسرائيليات تحكي عن قصة الحن والبن والجن ...
فالأظهر أنهم خلقوا قبل خلق الإنسان"آدم"، وهذا يُفهم من حوار الله مع الملائكة عن خلق آدمَ
: " وَإِذْ قَالَ
رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ
فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي
بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ
لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
" ( البقرة).
الملائكة
ليسوا على خِلقة واحدة، أو
شكل واحد محدد، بل تتعد أشكالهم، فهم متفاوتون في الشكل والوظيفة الذي كُلفوا به...
فتفاوتهم في الخِلقة (الشكل)؛ جاء من قوله I:
" الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ
الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي
الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
" (فاطر).
وتفاوتهم في الوظيفة؛ جاء من قوله I :
" وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
" (الصافات).
-هل
تعصي الملائكة ربها مثل البشر، ومنْ أفضل عند الله؟
الملائكة
عالم غير مكلف، ولا مخير بين الخير والشر، بخلاف حال الإنسان والجان...
وقد اختلف
العلماء حول الأفضلية بينهم وبين الإنسان الطائع لاسيما الأنبياء ، والأظهر أن
الإنسان المؤمن الذي يصارع الشهوات والملذات هو أفضل من الملائكة؛ لأن الملائكة
جُبلت على الطاعة، وليس لها شهوة كي تُحاربها مثل الإنسان؛ فهي ليست مخيرة بل مسيرة
على الطاعة جبليًّا...فشتان من مُخير ومُسير...!
كما أنها ترى
ربها بعين القين ، وأما الإنسان المؤمن يؤمن بعلم اليقين.....
قال I
: " مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) " (التحريم).
قال I
:" وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ
عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
(27)"(الأنبياء).
قال I: " يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) "
( النحل).
-هل للملائكة وظائف وأعمال محددة؟
للملائكة وظائف وأعمال متعددة ومحددة.... فمنها مع الناس عامة، ومنها
مع المؤمنين خاصة، ومنها مع الكفارة والفساق ، ومنها مع مختلف الكائنات ...
ذُكِرت بعضُها في القرآن الكريم، وفي صحيح أحاديث النبي
محمد r...
كما يلي:
1- الانقياد والخضوع التام
لإرادة الله دون تردد :
جعل الله من خُلقهم الطاعة، وحق العبادة، والانقياد
لأمره....
قال I
: " يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ (50) " ( النحل).
2- النزول بالوحي:
فالملكُ الموكلُ بالوحي هو "جبريل"؛ كلم
مريم وبشرها بالمسيح... وكلم هاجر أم إسماعيل حين نفذ الطعام والماء...
ونزل بالقرآن على قلب النبي محمد؛ قالI :
" قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ
عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ (97) " (البقرة).
ولجبريل أسماء عدة منها :
1-
روح
القدوس:
أ-
قال I : " قُلْ
نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)"(النحل).
ب-قال النبي محمد: "نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج
من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق
أن تطلبوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته". (المعجم الكبير للطبراني برقم7694
) .
2-الروح الأمين:
قال I : " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ
مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) " (الشعراء).
3-الناموس:
وهو من قول ورقة بن نوفل عند بدئ
الوحي على النبي محمد... وذلك في صحيح البخاري برقم3 قَالَ لَهُ وَرَقَةُ: " هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ
اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ
يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ ".
3-قبض
الأرواح :
والملك الموكل هو( ملك الموت) وله أعوانه عند
قبض روح الإنسان، وأما تسميته "عزرائيل" فهي لم ترد القرآن الكريم، ولا
الأحاديث الصحيحة؛ بل من الإسرائيليات...
فالصحيح أن يُقال "مَلَكُ الْمَوْتِ" ؛ قال تعالى : " قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ
الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) " (السجدة).
وقال I : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) " ( الأنعام).
4-
البشرى بالجنة والتحية حال الاحتضار:
فمنهم منْ يُبشِر الروحَ الطيبة عند
خروجها بالجنة والأمان، ويلقون عليها السلام... وهذا من قولهI: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي
أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) " (فصلت).
وقوله :
" الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) " ( النحل).
وأما العصاة والكافرين الظالمين فيهانون ويُضربون عند خروج أرواحهم ؛ قال I : " وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ
يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) " (الأنفال).
وقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)"(البقرة).
5-كتابة
أعمال الإنسان:
ملكان يسجلان
أعمال الإنسان من حسنات وسيئات... قال I : " إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
(18)
" (ق)
ويبدو أن رَقِيبٌ
وعَتِيدٌ ليست أسماءً
للملائكة، ولكنها صفات لهم؛ فمعنى رقيب :أي يراقب كل شيء، والعتيد :الحاضر المتهيئ.
وقال I : " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ
(10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) " ( الانفطار).
وقال I: " أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ
بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) " (الزخرف).
6-يصلّون على الأنبياء،
والصابرين، والمؤمنين الأولياء، ويستغفرون لهم:
قال I : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) " (الأحزاب).
ومعنى صلاتهم على الأنبياء والصابرين والمؤمنين، الدعاء والاستغفار
لهم ، وهو من قولهI :" الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ
حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)" (غافر).
وأما صلاة
الله I على العبد فهي ثناؤه عليه أمام الملائكة.
وأما صلاة
العبد للعبد فهي الدعاء.
وقَالَ النبي محمد :"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا
مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا
وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".( صحيح البخاري برقم 1351 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ).
7-التامين
على صلاة الجماعة الجهرية مع تأمين المأمومين للإمام:
ومعنى
التامين؛ أي: الدعاء بالاستجابة لكل من قال "آمين" ؛ وذلك من قول
النبي محمد: " إِذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ
تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ ". (صحيح البخاري برقم 5923 عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ).
8-النفخ في الصور :
ويُقال إن الملك إسرافيل هو نافخ الصور، ونفخته
الأخيرة هي إحياء الموتى من قبورهم بأمر ربّه ، ولا توجد آية في كتاب الله ولا في الأحاديث
الصحيحة تذكر أن الملك الذي ينفخ في الصور اسمه إسرافيل؛ بل جاء ذكر اسم الملك
إسرافيل مع ملكين ولم تُذكر وظيفته.... فقد كان النبي محمد يستفتح دعائه بذكر
ثلاثة أسماء من الملائكة " جَبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل " وذلك في صحيح مسلم برقم 1289 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ
سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ r يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنْ
اللَّيْلِ قَالَتْ: " كَانَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ افْتَتَحَ
صَلَاتَهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا
كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ
إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" .
8-حمل العرش:
هناك ملائكة
يحملون عرش ربهم، ولا تُعلم الكيفية، ولا تُتخيل وتُتصور ... ولكن يؤمن المسلم بأنها
حقيقية يقينية غيبية ..... قال I : " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا
وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا
سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) " (غافر).
وقال I :" وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ
فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) " (الحاقة).
دلت الآية على أن الذين يحملون العرش الآن ليسوا ثمانية، وقد اختلف المفسرون في ذكر عددهم؛
فمنهم من قال أربعة ومنهم من قال غير ذلك، ولا يوجد دليل صحيح يذكر أعدادهم، وليس
هناك ما يدعو للتفكر في أعدادهم أو هيئاتهم...!
9-
التسليم والترحيب بأهل الجنة عند دخولهم، وتعذيب وترهيب أهل النار فور دخولهم:
أمّا ترحيبُهم بالمؤمنين فمن قولهI: "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ
صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ
عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى
الدَّارِ (24) " (الرعد).
وأما ترهيبهم للكافرين فمن قوله I : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ
لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) " ( التحريم).
وقوله I : " وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا
تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
(30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ
إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا
أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى
لِلْبَشَرِ (31) " ( المدثر).
10-أمناء
على أبواب الجنة، وأمناء على خزائن النار:
يُقال: إن
أمير ملائكة الجنة وخازنها اسمه "رضوان" ومعه جمع من الملائكة...
وفي الحقيقة
أن هذا الاسم قد ذُكر في أحاديث ضعيفة ولا يصح الاعتماد عليها، ويبقى اسمه (خازن
الجنة) ؛ قالI: " وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ
لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) " (الزمر).
وأما أمناء خزائن النار والمسئولون عن تعذيب الكافرين الظالمين، فأميرهم اسمه "مالك"
وهو( خازن جهنم) وجاء اسمه صريحًا في القرآن الكريم...
وهو أشهر
ملك موكل بتعذيب أهل النار ... قالI: " وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ
إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) " ( الزخرف).
وقال I : " وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ
جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا
فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) " (غافر).
11-يشهدون
صلاة الفجر والعصر في جماعة:
فمن كرم
الله على الملتزمين في هاتين الصلاتين أن ملائكة تشهد أهلهما...وذلك لأن بهما
مشقة، فيُرسل الله ملائكةً كي يذكروا هذا المصلي بالخير عنده، ويحبونه....
دلت على ذلك أدلة منها:
1-قولهI : " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ
وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) " ( الإسراء) .
والمقصود
بقرآن الفجر؛ هو القرآن الذي يُقرأ في صلاة الفجر الجهرية تشهده الملائكة ، وتُسر
بالحضور... فيستحب الإطالة في القراءة.....
2-صحيح البخاري برقم 522 عن
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ :" يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ
مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ
وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ".
12- التواضع والمحبة لطالب
العلم، وذكر الصالحين عند الله :
فمن محبة الله لطالب العلم الشرعي أن ملائكة
تتواضع له، وتُسر به، وتحبه... وذلك في مسند أحمد برقم 17404 عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ
أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا
لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يطلَبَ ".
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن.
وفي صحيح البخاري برقم 2970 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى
جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي
جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ
أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ".
13- مجالسة من يذكرون اللهَ في جوٍ من السكينةِ
والرحمةِ:
قال النبي محمد r: " وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ
مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا
نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ
وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ". (رواه مسلم في صحيحه برقم 4867).
14- نفخ
الروح في الجنين بأمر من الله :
هناك ملك
موكل بنفخ الروح بعد أربعين يومًا للجنين في بطن أمه فيصبح نفسًا حيًّا ....
وذلك في صحيح مسلم برقم 4781 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ :"إِنَّ أَحَدَكُمْ
يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ
عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ
الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ.....".
وفي صحيح مسلم برقم 4783 عن ابن مسعود أن النبي محمدا
قال:" إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ
إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا
وَعِظَامَهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ
وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ
وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ رِزْقُهُ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ
وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُ
عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ".
15- ملك
موكل بهدم الجبال بأمر ربه:
هذا الملك يُسمى
"ملك الجبال"؛ وقد جاء الحديث عنه لما ذهب النبيُّ محمد إلى الطائف
وتعرض للأذى فدعا ربَّه ، فجاءه جبريلُ
ومعه ملكُ الجبال فقال للنبيr : " يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا
شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ rب َلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ
مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ".
(صحيح البخاري برقم 2992).
16- المحافظة حياة الإنسان :
فهناك ملائكة خلقها الله وظيفتها حماية الإنسان بأمر الله من الأذى؛ فيحفظونه ،ويحصون
فعله.....قال تعالى:" لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ
لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)"(الرعد).
وقد وردت وظائف أخرى في كتب الأحاديث والسيرة....
ووردت بعض
الأحاديث الضعيفة التي تتحدث عن أعمال بعض الملائكة قد تجنبتُ ذكرها، وأشهرها أنّ
الملاك ميكائيل هو الموكل بتحريك السحاب ونزول المطر، ومنها منكر ونكير اللذان
يعذبان الإنسان في القبر....
- ما هي عبادة
الملائكة؟
لا يُتوقع من المسلم أنْ يتصور بأن الملائكة تصلي مثله... هم خلق ليسوا
كخلقه؛هم مخلوقون
مفطورون مطبوعون على طاعة الله وعبادته، ولا يعصون أبدًا، فلا يجاهدون أنفسهم من
الابتعاد عن شهوة أو معصية ...لا شهوة عندهم ولا معصية..
وعبادتهم التسبيح،
والتحميد والاستغفار، وذكر الله ، والسجود له ...وكفيتها مجهولة ...
-ما هي أعداد الملائكة؟
لم يرد في
القرآن الكريم أو الأحاديث الصحيحة أن لهم أعدادًا معينة؛ ويُفهم من كتب الأحاديث
أن عددهم كبير جدًا...فلكل نطفة خُلّقت ملك ينفخ فيها الروح فتصير جنينًا، ولكل إنسان ملائكة تحفظه، وملكين
يكتبان أعماله...وحديث تحدث عن سبعين ألف ملك يعذبون الكفار في جهنم....وحديث تحدث
عن حجهم في البيت المعمور كل يوم سبعين ألف ملك ...
وبالتالي: فإن عددهم كبير جدًا ولا يُجزم بعدد مُعين...
-هل تموت الملائكة مثل البشر؟
قد اختلف
العلماءُ اختلافًا عظيمًا حول موت الملائكة...فمنهم من يرى بأنها لا تموت، ومنهم
من يرى بموتها بعد النفخة الأولى "نفخة الصعق"...
والحق لا
يوجد حديثٌ صحيح يفيد موت الملائكة ....
وقد ذهب ابنُ
حزم وغيره بأن الملائكة لا تموت، وأقوى ما استدلوا به على ذلك ما يلي:
1-قوله
تعالى:" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا
هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ(68) "(الزمر).
قالوا : هناك استثناء من صعقة الموت
"إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ" والواضح أنهم الملائكة فهم سكان السموات استثنوا من
الموت....
2-قوله تعالى:" فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا
مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ
إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20 )"(
الأعراف).
حكا الله تعالى لنبيه محمد عن إبليس حينما خاطب
آدم وحواء، ذاكرًا لهم أنّ الله لم يسمح لكما من الأكل من تلك الشجرة كي لا تكونا
ملكين أي مثل الملائكة خالدة أو تكونا خالدين لا ترون الموت أبدًا...
قلتُ: والذي أراه أنّ الملائكة تموت كما يموت الإنس والجان؛ فهم
يموتون بعد النفخة الأولى "نفخة الصعق" ؛
فيحيهم الله أولًا قبل الإنس والجان استعداد لو لوظائفهم ...
وهذا هو الظاهر من عموم قوله تعالى:" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (88)" (القصص).
ومعنى
الآية : كُلُّ شَيْءٍ ميت إِلَّا
ذاته سبحانه وتعالى؛ فالعرب تكني الوجه عن الذات...
الآية واضحة بأن الملائكة تموت، وكل
من سكن السموات والأرض يموت إلا الله وحده
حي لا يموت...
أما الآية
الأولى التي استدل بها ابن حزم من قوله
تعالى :" وَنُفِخَ فِي
الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء
اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ(68) "(الزمر).
يُفهم منها: أنّ النفخة الأولى
"نفخة الموت" تشمل كل من في السموات والأرض ، بما فيهم الملائكة...وأما الاستثناء
من قوله تعالى :" إِلَّا مَن شَاء
اللَّهُ" أي: إلا ما أراده الله ؛ وما أراده
الله هو عدم موته فقط ...وقد أعلن عنه في قوله تعالى :" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ". ولا أفهم من الآية غير هذا...
وأما الآية الثانية: وهي قوله تعالى:" فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ
عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ
الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20
)( الأعراف).
ملاحظ منها كلمة "أو" "إِلاَّ
أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ" و"أو" تقتضي المغايرة ؛ فليس المعنى أن
تكونوا خالدين مثل الملائكة ....
بل قال لهما إبليسُ كاذبًا لو أكلتم من
هذه الشجرة ستصبحون مثل جنس
الملائكة المُعظم الذي لا يُخطأ؛ المحبب إلى الله.... أو ستكونون من الخالدين.
وعلى فرض أنّ "أو " ليست
للمغايرة وأن معنى الآية : ستكونون مثل الملائكة خالدين ....
أقول: فرّق القرآن الكريم دائمًا بين قوله:"
خالدين فيها " و "خالدين فيها أبدا"
فخالدين فيها؛ تدل على طول المُكث؛
أما "خالدين فيها أبدًا" تدل على دوام المُكث ...
وعليه: فلم يقل إبليس ستصبحون مثل الملائكة المخلدين أبدًا؛ لأنهما
يعرفان جيدًا أن الملائكة تموت، ويعيشون زمنا طويلًا يصل إلى نفخة الصعق ...
وبالتالي: فإن الملائكة تموت مثل أي
مخلوق ...
وقد كان النبيُّ
محمد يقول:" أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ".(صحيح البخاري برقم 6835).
لماذا الإيمان بالملائكة وما هو الواجب معرفته وفعله....؟
إنّ الإيمان
بالملائكة واجب على كل مسلم؛ فهناك علاقة بين المسلم والملائكة لابد منها، وهذا ما
ظهر لنا من خلال معرفة أعمالهم ووظائفهم مع الإنسان...
قال تعالى : " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ
مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ
رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) " (البقرة).
فالإيمان
بالملائكة هو غيبي ، ولا يمكن لإنسان أن يدركهم حسًا ؛ بل إن الشياطين أنفسهم لا
يستطيعون ذلك ؛ قال I : " إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ
(6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ
الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ
(9)
" ( الصافات).
فحينما يؤمن المسلم بهم فينبغي عليه أن يُحسن صحبتهم وصلته بهم ، فمثلًا يستحي
من الملكين الكاتبين للإعمال، وملائكة حضور صلاة الفجر والعصر ....فالإيمان بهم وحُسن
صحبتهم، وعدم أذيتهم ... من أعمال البر ( أعمال الخير)؛ قال I:" لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ....
(177)
" (البقرة).
وجاء في صحيح مسلم برقم 876 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ
r قَالَ : " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ
الثُّومِ و قَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ
مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ".
فواجب
على المسلم الإيمان بوجودهم، وبما عُلم من أسمائهم وصفاتهم
وأعمالهم...
كما
ينبغي عدم إيذائهم، سبا وشتما أو عيبا، أو تشبيها في مثل....
وينبغي البُعد عن الذنوب والمنكرات وكل ما يؤذيها...
كما لا يفرق بين ملك وآخر ،مثل اليهود فقد أحبوا
ميكائيل وكرهوا جبريل.... فمن كره ملكًا كره كل
الملائكة....فقال تعالى:" قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ
(99)"(البقرة).
-ما
هي التي تُخل بالإيمان بها في عصرنا الحديث:
إن
الأخطاء كثيرة ،أخطرها عدم الإيمان بها وهو كفر ... وتبقى بعض المنكرات أهمها:
1-أُنكر
تمامَ الإنكار على من يقول على النائم: "يأكل أرز مع الملائكة"!
فمن
أين أتوا بهذا الافتراء؟!
الملائكة
لا تأكل ولا تشرب؛ رفضت طعام إبراهيم...!
هل
اطلعوا الغيب أم جاءهم من العليم علمًا لم يطلعه على أنبيائه ويظهره في كتابه...؟!
2-
أُنكر
تمامَ الإنكار على من يقول: " صوته ملائكي"،" جميل مثل الملائكة" .. عُرفت
الملائكة عبر والأزمان والأماكن والأديان بجمالها...فحينما يرى الإنسان شيئًا جميلًا
يقول "إنه جميل مثل الملائكة" أو يسمع
صوتًا جميلًا يقول : " إنّ صوته ملائكي" ....
ومثل هذا حدث مع نسوة المدينة لما رأوا
جمال يوسف وقطعوا أيديهم.... عبروا عن جماله بأنه يشبه الملائكة ....وذلك من
قوله تعالى: "فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ
لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ
عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ
حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)"(يوسف).
وأما قولهم هذا فلا يُستدل به على مشروعيته، فالملائكة ليست إنسانًا
جميلًا له جناحان أو أربعة أجنحة .... أو تُشبه بالفراشة الملونة ....!
لم يراها أحدٌ على حقيقتيها من البشر إلا النبي
محمد فقط ؛رأى جبريل مرتين على هيئته التي خلق عليها ...قال تعالى : "وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)"(النجم).
3-
أُنكر
تمامَ الإنكار على رسم الملائكة أو نحت تمثال من مخيلة الرسام أو النحات
،فكما هو الحال اليوم تُرى صور وتماثيل للملائكة في بيوت النصارى وفي كنائسهم، وقد
نهوا عن تلك التماثيل....!
فبمثل
هذا التشبيه قديمًا أشرك كفار مكة باللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ...
فكفار مكة اعتقدوا أن نحت الأصنام
الثلاث على صورة الملائكة، وقالوا هم بنات الله ومقربون إليه ، ونحن نعبدهم كي تقربنا
إلى الله زلفا لكونهم بناته.... !!
قال تعالى :"
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ
هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)"(النجم).
وقال تعالى
: "وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا
خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ
مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
(20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ
قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ
(22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ
مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ
مُقْتَدُونَ (23)(الزخرف).
كتبه / أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)