هل الموسيقى حرام في الإسلام أم لا؟

زعم بعض المعترضين أن الإسلامَ يقفُ عائقًا ضد كل فن وضد كل ما هو جميل ،

 لدرجة أنه حرم الموسيقى التي أصبحت جزء من حياتنا المعاصرة فهي متمثلة في النشيد 
الوطني والعسكرية وفاصل الإعلانات وموسيقى هادئة تريح الأعصاب، ورنات المحمول ...

                            الرد على ما سبق

أولًا: إنّ الأصل في  الأشياء الحل الإباحة لقوله تعالي: "هو الذي خلق لكم ما في

 الأرض جميعًا" (البقرة 29)،

فلا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله ، أو سنة رسوله –صلي الله 


عليه وسلم- أو إجماع ، فإذا لم يرد نصٌ ولا إجماع؛ ظل الأمرُ على الحل لا الحرمة؛

قالI: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه". (الأنعام 119).


وجاء في سنن الدارقطني برقم 12 عن أبي الدرداء قال  :" ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا آخر كتاب الزكاة". صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2256 .

فقبل أن نبدأ الرحلة في عمق هذا الموضوع أود أن أبين أولًا أن الغناء مكون من ثلاثة أقسام هم:
1-  المغني : إذا كان خليعًا أو مغنية خليعة عارية فاتنة  فهذا حرام .
2-  الكلمات : وهي كلمات الشعر التي يتغنى بها المغني ؛ فحسنُها حسنٌ وقبيحها قبيح ...
ولقد تسمعتُ مرةً وأنا أسيرُ في الطريق كلامات أغنية تقول : هاتى بوسه يا بنت ...". وأتسمع للأسف ما هو أقبح...

3-الموسيقى : وتشتمل الموسيقى على الألحان والتوزيع وذلك من خلال آلات الطرب المعروفة وهذا هو مجال البحث -إن شاء الله 

ثانيًا : إن ما تعلمتُه من أصول الفقه أن معاير استنباط الحكم تأتي من الآتي:
1- القرآن الكريم
2- السنة الصحيحة
3- إجماع العلماء
4- القياس
فمن خلال هذه الأسس يدور البحث حول  بيان حل الموسيقى أو حرمتها..... كما يلي:

1- أولًا : القرآن الكريم لم يذكر القرآن الكريم آية واحدةً  تقول بان الموسيقى حرام ، بل الشائع مجرد أقوال من

 السلف قالوها تحت تفسير بعض الآيات مثل قوله :"ومن الناسِ من يشتري لهو الحديث

 ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين". (لقمان: 6). فقد

 قال ابن مسعود وابن عباس -رضي الله عنهم-- بأن لهو الحديث هو الغناء .
وهذا مردود  لعدة أوجه ذكرها ابن حزم –رحمه الله-  لما قال:
ولا حجة في هذا لوجوه:
أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.


والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين

.
والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها؛ لأن الآية فيها: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل 


عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوًا.

ولو أن امرأ اشتري مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرًا ! فهذا هو الذي ذم الله 


تعالي، وما ذم قط عز وجل من اشتري لهو الحديث ليتلهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالي.

 فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن،

 أو بحديث يتحدث به، أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاص لله تعالي، ومن لم يضيع 
شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن. (المحلي لابن حزم (9/60) ط المنيرية). اهـ.

كما أن الآية لا تتحدث عن موسيقى ولا غناء ، وعلى فرض غناء فهو لا يضم موسيقى

 معه ، وقيل سبب نزولها هو : أن النضر بن الحارث اشترى جارتين ليشوشوا على

 رسول الله r وهو يقرأ القرآن....

أيضًا استنبط البعضُ حرمةَ الغناءِ من قولهI في مدحِ المؤمنين: " وإذا سمعوا اللغوَ

 أعرضوا عنه" (القصص 55).

قالوا : والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه....

وهذا خاطئ تمامًا ؛لأن معنى اللغو هو سفاهة القول من سب وشتم وسوء تقدير وغير ذلك ...

ولو نظروا إلى الآية كاملة لعلموا أن المراد منها هو أن المؤمنين لا يسمعون اللغو من 

الجاهلين ولا يشاركونهم في سفههم ، وذلك من قوله : "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه 

وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" (القصص 55(.

إذًا: ليس في الآية  علاقة بالموسيقى والغناء وإنما تتعلق بكلام سفه المشركين    

 والإعراض عنهم، وهذا يشبه قوله :" وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا". (الفرقان 63).....

وقد استدلوا بآيات أخرى لا تفيدُ التحريم لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، فهي لا تزيد شيئًا عن مثل ما سبق بيانه...

ثانيًا : السنةُ الصحيحةُ :

أقول في هذه المسألة –الموسيقى- إن قمة الحزم في هذه المسالة أن تتبع بن حزم ؛ فقد

 رد كل الأحاديث المتعلقة بالغناء والموسيقى مبينًا ضعفها وعللها سندًا ومتنًا ، ولم يكن

 هو بدعًا من السلفِ كما ستقدم معنا – إن شاء الله-...

ولكن أقوى دليل عند من يحرم الموسيقى هو الحديث الذي جاء في صحيح البخاري بَاب (مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ) 
.
قال :" ليكونن مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

والرد على هذا الحديث يكون من عدة أوجه منها :

أن هذا الحديث ضعيف الإسناد فهو مضطرب لهذه الأسباب :
هذا الحديث من معلقات البخاري؛ أي أنه لم يروه عن شيخه بقوله (حدّثني)، بل بصيغة: (قال) أو (رُويَ) أو (عَنْ)، وهذا دليل على أنه لا يقول بصحته.

كذلك رجاله ليسوا معروفين برواية الحديث، حيث إنَّ فيه هشام بن عمار. ولم يحتج به البخاري في صحيحه، إنما روى له حديثين تعليقا ومتابعة. وحديثين لهما شواهد.
 
في السند أيضا صدقة بن خالد، حيث لم يرو له مسلم ولا مالك. أما البخاري فلم يرو له إلا حديثا سوى هذا الحديث المعلَّق.
 
وفيه عطية بن قيس الكلابي الذي لم يرو له البخاري غير هذا الحديث المعلّق، ولم يوثقه سوى ابن حبّان.

وقد قال بضعفه علماءٌ كثر لكونه منقطعًا ، وذلك قديمًا وحديثًا ،مثل: ابن حزم وأبو حامد الغزالي ، ويوسف القرضاوي ومحمد الغزالي...

وعلى فرض صحة الحديث لأنه موصول من طريقٍ آخر أفهم منه الآتي:
1-الملاحظ من تبويب البخاري أن لم يشر إلى تحريم الموسيقى أبدا ....فقام بوضعه تحت بَاب (مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ).
  فلو كان البخاري  فهم من الحديث حرمة الموسيقى لبين ذلك في تبويبه ...

 فمعني الحديث يُفهم على جملته ، وهو تحريم جمع ما جاء في الحديث إذا اجتمعوا مع بعضهم البعض في مكان واحد ، فهو يتحدث عن طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور....
 فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وحرير.

فمعلوم أن الشرع يفرض على القادر الزواج بالنساء ...ومعلوم أيضا أن النساء يلبسن الحرير أو الرجال المقاتلين أو من به مرض جلدي استدعى ذلك ... فهي أشياء حلال ، ولكن لم اجتمعت في مكان محرم (كباريه) فيه  عري ونساء فاسقات مع الخمر مع غناء ورجال يلبسون الحرير ...
فهذا محرم وهذه نبوءة  قد تحققت في زماننا  وليس للحديث علاقة بتحريم الموسيقى...

ثالثًا:  الإجماع :
لم يجمع علماءُ المسلمين على حرمتها كما  أني سمعتُ أحدَ المشايخ المشاهير قديمًا يقول : أجمع العلماء على حرمة الموسيقى والغناء إلا اثنين فقط لا يُعتد بهما : (ابن حزم وابو طاهر)... وهذا في الحقيقة كذب أو جهل منه ...

لقد كان السلف والخلفاء يسمعون الموسيقى والغناء ...
واكتفي هنا بمصدر واحد وهو من كتاب: ( نيل الأوتار) للإمام الشوكاني  (باب ما جاء في آلة اللهو ج 8 / ص 177-184): قد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف . وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسًا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- .
 وحكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي
 وقال إمام الحرمين في النهاية وابن أبي الدم نقل الإثبات المؤرخين أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات وإن ابن عمر دخل عليه والي جنيه عوج فقال ما هذا يا صاحب رسول الله فناوله إياه فتأمله ابن عمر فقال هذا ميزان شامي قال ابن الزبير يوزن به العقول
 وروى الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته في السماع سنده إلى ابن سيرين قال إن رجلا أتى المدينة بجوار فنزل على عبد الله بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا قال انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا قال من هو قال عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال لها خذي العود فأخذته فغنت فبايعه ثم جاء إلى ابن عمر إلى آخر القصة
 وروى صاحب العقد العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي أن عبد الله بن عمر دخل على أبي جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ثم قال لابن عمر هل ترى بذلك بأسا قال لابأس بهذا وحكى الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص أنهما سمعا العود عند ابن جعفر وروى أبو الفج الأصبهاني أن حسان ابن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره . وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك والمزهر عند أهل اللغة العود وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين ونقله أبو يعلى الخليلي في الأرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة
 وحكى الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس أباحة الغناء بالمعازف وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورا في بيت المنهال ابن عمر والمحدث المشهور . وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود
 قال ابن النحوي في العمدة قال ابن طاهر هو إجماع أهل المدينة
 قال ابن طاهر وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة قال الأدفوى لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلى إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم وحكى الماوردي أباحة العود عن بعض الشافعية وحكاه أبو الفضل ابن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الأسنوي في المهمات عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر . وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي وجزم بالأباحة الأدفوي هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع أن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق على حله ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضا إجماع أهل المدينة عليه وقال الماوردي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر قال ابن النحوي في العمدة وقد روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين فمن الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبي شيبة وأبو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي وسعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة وأبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد الله ابن الأرقم وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي أيضا وحمزة كما في الصحيح وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر والبراء بن مالك كما أخرجه أبو نعيم وعبد الله بن جعفر كما رواه ابن عبد البر
 وعبد الله بن الزبير كما نقله أبو طالب المكي وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني وعبد الله بن عمر وكما رواه الزبير بن بكار وقرظة بن كعب كما رواه ابن قتيبة وخوات بن جبير ورباح المعترف كما أخرجه صاحب الأغاني والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي وعائشة والربيع كما في صحيح البخاري وغيره
 وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عمرو بن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري
 وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية انتهى كلام ابن النحوي واختلف هؤلاء المجوزون فمنهم من قال بكراهته ومنهم من قال باستحبابه قالوا لكونه يرق القلب ويهيج الأحزان والشوق إلى الله قال المجوزون أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة . منها حديث أبي مالك وأبي عامر المذكور في أول الباب وأجاب المجوزون بأجوبة . الأول ما قاله ابن حزم وقد تقدم وتقدم جوابه الثاني أن في إسناده صجقة بن خالد وقد حكى ابن الجنيد عن يحيى بن معين أنه ليس بشيء
 وروى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم ويجاب عنه بأنه من رجال الصحيح . ثالثها أن الحديث مطرب سندا ومتنا أما الإسناد فللتردد من الراوي في اسم الصحابي كما تقدم وأما متنا فلان في بعض الألفاظ يستحلون وفي بعضها بدونه وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ ليشربن أناس من أمتي الخمر
 وفي رواية الحر بمهملتين وفي أخرى بمعجمتين كما سلف ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعا وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى
 والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة وأجاب المجوزون أيضا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا لا نسلم دلالته على التحريم وأسندوا هذا المنع بوجوه أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصا في التحريم فقد ذكر أبو بكر بن العربي لذلك معنيين أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال الثاني أن يكون مجازا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجئ إلى الخروج عنها وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف وإذا كان اللفظ محتملا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال لأنه أما أن يكون مشتركا والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازا ولا يتعين المعنى الحقيقي ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في الأصول وثالثها أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ " يشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف " ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط والإلزام أن الزنا المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وأيضا يلزم في مثل قوله تعالى { أنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين } أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل أخر فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل أخر أيضا كما سلف علي أنه لا ملجئ إلى ذلك حتى يصار إليه و رابعها أن يكون المراد يستحلون مجموع الأمور المذكورة فلا يدل على تحريم واحد منها على الإنفراد وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها ويجاب عنه بما تقدم في الذي قبله واستدلوا ثانيا بالأحاديث المذكورة في الباب التي أوردها المصنف رحمه الله تعالى وأجاب عنها المجوزون بما تقدم من الكلام في أسانيدهم ويجاب بأنها تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره ولا سيما أحاديث النهي عن بيع القينات المغنيات فإنها ثابتة من طرق كثيرة منها ما تقدم ومنها غيره قد استوفيت ذلك في رسالة وكذلك حديث أن الغناء ينبت النفاق فإنه ثابت من طرق قد تقدم بعضها وبعضها لم يذكر منه عن ابن عباس عند ابن صصرى في أماليه ومنه عن جابر عند البيهقي ومنه عن أنس عند الديلمي وفي الباب عن عائشة وأنس عند البزار والمقدسي وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي بلفظ صوتان ملعونان في الدنيا والأخرى مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة
 وأخرج ابن سعد في السنن عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة له ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة وخمش وجه وشق جيب ورنة شيطان
 وأخرج الديلمي عن أبي أمامة مرفوعا أن الله يبغض صوت الخلخال كما يبغض الغناء والأحاديث في هذا كثيرة قد صنف في جمعها جماعة من العلماء كابن حزم وابن طاهر وابن أبي الدنيا وابن حمدان الأربلى والذهبي وغيرهم وقد أجاب المجوزون عنها بأنه قد ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية وقد تقدم ما قاله ابن حزم ووافقه على ذلك أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام وقال لم يصح في التحريم شيء وكذلك قال الغزالي وابن النحو في العمدة وهكذا قال ابن طاهر أنه لم يصح منها حرف واحد والمراد ما هو مرفوع منها وإلا فحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } قد تقدم أنه صحيح وقد ذكر هذا الأستثاء ابن حزم فقال أنهم لو أسندوا حديثا واحدا فهو إلى غير رسول الله r ولا حجة في أحد دونه كما روى عن ابن عباس وابن مسعود في تفسير قوله تعالى: { ومن الناس } الآية أنهما فسرا اللهو بالغناء قال ونص الآية يبطل أحتجاجهم لقوله تعالى { ليضل عن سبيل الله } وهذه صفة من فعلها كان كافرا ولو أن شخصا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا لكان كافرا فهذا هو الذي ذم الله تعالى وما ذم من اشترى لهو الحديث ليروح به نفسه لا يضل به عن سبيل الله انتهى
 قال الفاكهاني لم أعلم في كتاب الله ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس لا أدلة قطعية واستدل ابن رشد بقوله تعالى { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } وأي دليل على ذلك في تحريم الملاهي والغناء والمفسرين فيها أربعة أقوال الأول أنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم ويعرضون عنهم والثاني أن اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوا من نعت النبي r وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق . الثالث أنهم مسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه . الرابع أنهم ناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهودا ولا نصارى وكانوا على دين الله كانوا ينتظرون بعث محمد r فلما سمعوا به بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا وكان الكفار من قريش يقولون لهم أف لكم أتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم به منكم وهذا الأخير قاله ابن العربي في أحكامه وليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية انتهى . ويجاب بأن الاعتبار لعموم اللفظ لا بخصوص السبب واللغو عام وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه والآية خارجة مخرج المدح لمن فعل ذلك وليس فيها دلالة على الوجوب ومن جملة ما استدلوا به حديث كل لهو يلهو به المؤمن هو باطل إل ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه . ورميه عن قوسه
 قال الغزالي قلنا قوله r فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة انتهى
 وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح خارج عن تلك الأمور الثلاثة وأجاب المجوزون عن حديث ابن عمر المتقدم في زمارة الراعي بما تقدم من أنه حديث منكر وأيضا لو كان سماعه حراما لما أباحه صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر ولابن عمر لنافع وانهي عنه وأمر بكسر الآلة لآن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وأما سده r لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما كان يتجنب كثير من المباحات كما تجنب أن يبيت في بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك لا يقال يحتمل أن تركه r للإنكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير لأنا نقول ابن عمر إنما صاحب النبي r وهو بالمدينة بعد ظهور الإسلام وقوته فترك الإنكار فيه دليل على عدم التحريم وقد استدل المجوزون بأدلة منها قوله تعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرك عليهم الخبائث } ووجهه التمسك أن الطيبات جمع محلى باللام فيشمل كل طيب والطيب يطلق بإذاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الطاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام فتدخل أفراد المعاني الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادرة الظاهرة وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام أن المراد في الآية بالطيبات المستلذات ومن جملة ما استدل به المجوزون ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وسيأتي الكلام عليه
 ومن جملة ما قاله المجوزون أنا لو حكمنا بتحريم اللهو لكونه لهوا لكان جميع ما في الدنيا محرما لأنه لهو لقوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ويجاب بأنه لا حكم على جميع ما يصدق عليه مسمى اللهو لكونه لهوا بل الحكم بتحريم لهو خاص وهو لهو الحديث المنصوص عليه في القرآن لكنه لما علل في الآية بعلة الضلال عن سبيل الله لم ينتهض للاستدلال به على المطلوب وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافة عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن حال حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدودج والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من تصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول نسأل الله السداد والثبات ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسالة فعليه بالرسالة التي سميتها أبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع .اهـ

وبعد هذا النقل الماتع الذي أظهر لنا أن علماء كُثرٌ من السلفِ الصالح سمعوا الموسيقى وضربوا بالعود ، وأحلوها ولم يحرموها....

رابعًا: القياسُ:
إن المحرمين للآلات الموسيقى يحلون آلة الدف للنساء فقط ، ويبقى سؤالي هو :
ما الفرق بين الدف والطبل ؟ ما الفرق بين الدف والعود...؟! كلها آلات موسيقية أليس كذلك؟!


ثالثًا :بعد أن بينتُ -بفضل الله I- أن الموسيقى ليست حرمًا ؛ جاء الدور كي أثبت حِلها من الأدلة الدامغة -إن شاء الله- كما يلي:
1-لم ينص القرآن الكريم بوضوح على حرمة الموسيقى أو حلها ؛ فهو I بين لنا وصل لنا ما حرم علينا...  بل هناك آية أستنبط منها حلها وهي قوله I:" وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)" (الجمعة).
الملاحظ: أن الله  Iقرن بين اللهو –الغناء - والتجارة ولم يذمها  بل وصف حال من تخلف عن خطبة رسوله ص، وسببها أن بعض الصحابة شُغل بهما -بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحًا بها- عن خطبة النبي -صلي الله عليه وسلم-، وتركه قائمًا.
2-صحيح البخاري برقم 3638  عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ:" النَّبِيُّ rدَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ".
نلاحظ : لو كانت الموسيقى حرامًا ما قال النبيُّr  لأبي بكر" دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ "؛لأن النبيَّ r لا يسكت على محرمٍ أبدًا.
3-مسند أحمد برقم 14674 عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِعَائِشَةَ أَهَدَيْتُمْ الْجَارِيَةَ إِلَى بَيْتِهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَهَلَّا بَعَثْتُمْ مَعَهُمْ مَنْ يُغَنِّيهِمْ يَقُولُ:" أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ
فَحَيُّونَا نُحَيَّاكُمْ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ".
تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف.


رابعًا : إن الكتاب المقدس الذي يؤمن به المعترضون لم يتعرض إلى هذه القضية ؛ فلم يذكر الربُّ في تعاليمه حرمة الموسيقي أو حلها ، بل الثابت أن الكتاب المقدس نقل افعالًا شخصيةً لبعض الأشخاص ...وذلك في الآتي:
1-سفر حزقيال إصحاح 15 عدد 20 " فأخذت مريم النبية أخت هارون الدف بيدها وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص".

2-  سفر أيوب إصحاح 21 عدد 12 يحملون الدف والعود ويطربون بصوت المزمار.
3-   صموئيل الأول إصحاح 16 عدد 33 "  وكان عندما جاء الروح من قبل الله على شاول أن داود أخذ العود وضرب بيده فكان يرتاح شاول ويطيب ويذهب عنه الروح الردي".
4-مزمور 53 عدد1   لأمام المغنين على العود قصيدة لداود قال الجاهل في قلبه ليس اله فسدوا ورجسوا رجاسة ليس من يعمل صلاحا".
5-مزمور 88 عدد 1 "تسبيحة مزمور لبني قورح لأمام المغنين على العود للغناء قصيدة لهيمان الازراحي يا رب اله خلاصي بالنهار والليل صرخت أمامك".
6-إشعياء إصحاح 8 عدد 24 "بطل فرح الدفوف انقطع ضجيج المبتهجين بطل فرح العود".

وأما روح الإسلام فهو يدعو إلى الفرح والبهجة وما يساعد عليهما ، وقد أوصنا نبيُّنا أن نبشر ولا ننفر ، وكان يكره التشاؤم، ويغير الأسماء إلى الأحسن والأجمل ...
فحال المسلم في الدنيا ساعة وساعة وللأبدان لها علينا حق..
  
وفي النهاية : أود أن أقول بأن في ذكر اللهI  راحة للقلوب ، وليست الأغاني فشتان بين قلب يسمع القرآن الكريم ومن يسمع التفاهات الكريهات من الحان وكلمات التي نتسمعُها رغمًا عن إرادتنا....
كما إن هناك أغاني تشجع على الجهاد والوحدة بين المسلمين والتذكير بأكابر المجاهدين وهذا ما نفتقده بسبب قلة الحياء والدين... والله المستعان.

كتبه/ أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان